خمسون عملاً بين لوحة وتجهيز ونحت وكولاج | «عوالم موازية»: أجساد غاضبة... أجساد مهشّمة
تغريد عبد العال
الأربعاء ١٦ شباط ٢٠٢٢
في كل غرفة من غرفه الثلاث، عدد من الأعمال تجمعها ثيمة ما، يقارب فيها فنانو معرض «عوالم موازية» الذي يحتضنه «زيكو هاوس»، الجسد بحميميّته وحالاته المختلفة، واشتباكاته بالذاكرة والمجتمع والمدينة أو اغترابه عن كل ذلك. في المعرض الجماعي، يحضر الجسد الحيّ والغاضب، مثلما يحضر الجسد المهشّم والمعذّب، مثلما يحضر أيضاً الجسد ميتاً
يضمّ «عوالم موازية» 50 عملاً فنياً بين لوحة وتجهيز ونحت وكولاج، أشرفت على جمعها وتنسيقها القيّمة منار علي حسين. شاركت في التنظيم غاليري «أرنيلي» الافتراضية، لتقدم تجارب فنانين شباب من لبنان وسوريا وهم: عبد الرحمن نعانسة، أماني حسن، كلوي صفير، غايا ماريا نجيم، إيمان طفيلي، جوني سمعان، كريكور أفيسيان، ليا حلو، لودي صبرا، نورا بكار وبول مرعي. تخبرنا المسؤولة عن «أرنيلي» دزوفيغ أرنيليان المشاركة أيضاً في المعرض، أنّ لكل مجموعة من الأعمال عالمها الخاص المختلف، لكنها ليست غريبة عن بعضها، بل تبدو كأنّها في حوار مشترك
ثمّة لوحتان لجوني سمعان بعنوان «على الخشبة». في إحداهما امرأة تقف عارية بين رجال يتحلقون حولها بفضول. يتفحّصون جسدها؛ بعضهم بنظراته، وبعضهم الآخر بيديه. المرأة هي الوحيدة العارية في اللوحة. لا تحمل نظرات الرجال شهوةً أو رغبة، بل شيئاً من الاستغراب والدهشة ومسحةً من الانكسار. في اللوحة الثانية، يتحول الرجال أنفسهم إلى عازفين والمرأة ترقص وسطهم. لا يغيب سؤال مصير المرأة في العالم الذكوري عن لوحتَي سمعان، اللتين يظهر فيهما الجسد مرسوماً ببساطة في الخطوط، وتقشّف في التفاصيل وتخفيف لقوة الألوان. ثمة غموض أيضاً يفتح أفق تأويل المعنى الذي يقف خلف العمل الفني. ومن موادّ صمغية وعجينة الورق والحديد، يقدّم سمعان منحوتتين، يترك إحداهما بلا عنوان، بينما يسمّي الثانية «فرار». في كلتيهما، تظهر مجموعة من البشر بلا هويات أو ملامح واضحة. هم في حالة من الحركة اليائسة؛ القفز أو التسلق بحثاً عن مخرج
في الغرفة نفسها، لوحتان لأرنيليان، بعنوان «أحدّق بك من أعلى». هنا، تظهر المرأة العارية وهي تنظر مباشرة إلى المتلقّي من الأعلى، مرةً وهي واقفة، ومرة وهي تجلس على المرحاض. تبدو كما لو أنها واعية لوجود من ينظر إليها بل تتحداه، بخلاف كثير من لوحات العري التي غالباً ما تصور المرأة العارية ساهية عن الناظر إليها. لسنا أمام حالة استراق إذاً، إننا أمام مواجهة متعالية للجسد العاري مع من يحدق به
على العكس من موديل أرنيليان، ترسم غايا نجيم «فينوس في وضح النهار»، امرأةً لا تنظر إلينا مباشرة، بل إلى نقطة في فراغ ما. قد يكون هذا الفراغ إنساناً أو نافذة أو مرآة، لا نعرف. لكن ما هو غير ظاهر في الصورة لا يقلّ أهمية عما يظهر فيها، ذلك أن نظرة فينوس فيها الكثير من العتاب رغم أنها تبدو كأنها خارجة من مكان حميم. جسدها العاري تحاول أن تغطيه لكنه يظل مكشوفاً. تكرر نجيم الأمر نفسه في لوحة «الخطيئة الأولى»: يد تضغط بقسوة على نهد امرأة، التفاصيل غير المكشوفة تتركنا حائرين أمام عنف اليد: أهو عنف لذة أم اعتداء؟ لا يمكننا تجاهل الألم المخيم على الرغبة في العملين
أما بول مرعي، فيقدم عملاً بلا عنوان، أبرز ما يظهر فيه هو صراحة العنف والغضب، وبالتأكيد الموت. نرى جسداً مرمياً كنفايات في مكان قذر، محاطاً بفئران نافقة.
في مجموعة من 15 كولاجاً يحمل كلّها عنوان «نظام» مع رقم، حيث تبدأ السلسلة من «نظام 2»، توحّد إيمان طفيلي بنفس تجريبي المدينة بحركة المرأة المحجبة فيها. تبدأ السلسلة من الرقم 2 كأن أساس هذا النوع من العلاقة، أي «النظام» الذي يربط الإنسانة بالمدينة التي تقطنها، مجهول. الكولاجات، التي تتكون من الفوتوغرافيا والرسم، تبدو كأنها قطعة واحدة لمكان واحد ولون واحد هو الأسود، مع حضور طفيف لبعض الألوان. عالم هذه الغرفة التي تضمّ أعمال طفيلي هو المجتمع وعلاقتها به. أما المكان ـ بيروت كما يظهر ــ فيحضر في صورة لأبنية تتداخل مع أقمشة الحجاب، فيصبح المكان أيضاً حجاباً
في مجموعة من 15 كولاجاً يحمل كلّها عنوان «نظام» مع رقم، حيث تبدأ السلسلة من «نظام 2»، توحّد إيمان طفيلي بنفس تجريبي المدينة بحركة المرأة المحجبة فيها. تبدأ السلسلة من الرقم 2 كأن أساس هذا النوع من العلاقة، أي «النظام» الذي يربط الإنسانة بالمدينة التي تقطنها، مجهول. الكولاجات، التي تتكون من الفوتوغرافيا والرسم، تبدو كأنها قطعة واحدة لمكان واحد ولون واحد هو الأسود، مع حضور طفيف لبعض الألوان. عالم هذه الغرفة التي تضمّ أعمال طفيلي هو المجتمع وعلاقتها به. أما المكان ـ بيروت كما يظهر ــ فيحضر في صورة لأبنية تتداخل مع أقمشة الحجاب، فيصبح المكان أيضاً حجاباً
في الغرفة الثالثة من «زيكو هاوس» أعمال تجريدية بمعظمها، منها «المساحة ما بين بين» لكلوي صفير. عمل تجريدي غامق الألوان، مكتظّ بالخطوط العريضة والمشوّشة التي تخفي أكثر مما تكشف. أما كريكور أفيسيان، فيشارك بأعمال مفاهيمية (مواد مختلفة)، موضوعها الشظايا، وعناوينها توحي بتتبع تغيرات فظيعة تحدث لكائن ما، لا يمكننا تبين طبيعته، في جزء من الثانية. هل هو إنسان؟ تمثال؟ مخلوق عجائبي يتشكل ويتفكّك أمامنا؟
أما أماني حسن، فتظهر بلوحتَيها المشاركتين كأنها بعيدة عن سياق المعرض في العموم، رغم أنه يتعمّد تنوع التجارب وتعدديتها. لكن موضوعات حسن المليئة بالهدوء والدفء والخطوط الواضحة، تذكرنا بلوحات كلاسيكية في تاريخ الفنّ؛ مجلدات أنيقة مرصوصة على رفّ في لوحة «كتب تشايكوفسكي»، أو عملها الثاني حيث أباجورة في غرفة معتمة خلفيتها جدار مزركش وعنوانها «مضاد للأكسدة». إنها صورة قديمة لكنها لا تبلى، ولا تزال تترك تأثيراً على من يشاهدها، منبعه البحث عن زاوية دافئة في مكان ما
أما أماني حسن، فتظهر بلوحتَيها المشاركتين كأنها بعيدة عن سياق المعرض في العموم، رغم أنه يتعمّد تنوع التجارب وتعدديتها. لكن موضوعات حسن المليئة بالهدوء والدفء والخطوط الواضحة، تذكرنا بلوحات كلاسيكية في تاريخ الفنّ؛ مجلدات أنيقة مرصوصة على رفّ في لوحة «كتب تشايكوفسكي»، أو عملها الثاني حيث أباجورة في غرفة معتمة خلفيتها جدار مزركش وعنوانها «مضاد للأكسدة». إنها صورة قديمة لكنها لا تبلى، ولا تزال تترك تأثيراً على من يشاهدها، منبعه البحث عن زاوية دافئة في مكان ما
تحت عنوان «استعادة أفروديت»، تشارك نورا بكّار، التي تقدم نفسها بأنها فنانة نسوية، بتركيب نحتي يدور حول إعادة تمثيل جسد المرأة، ويتكون من 28 منحوتة طينية ملوّنة بأحجام متشابهة. تصور هذه المنحوتات أشكالاً هجينة من أجساد مشوّهة مترهّلة مقطّعة، مضادة للصورة النمطية عن الجسد المؤنث
المزيد من التجريد باستخدام مواد متنوعة مثل الأقمشة والأوراق والخشب والحديد والأسلاك والرمل، نجده في «ثم نواصل العيش» للودي صبرا. ألوان ديناميكية وحيوية وحارة وطفولية، تكشف عن شغف بالتداخل بين الطبيعة والمدينة.
بدورها، تكشف ليا حلو جزءاً من يومياتها في الحجر المنزلي، في لوحة بعنوان «18 أغسطس 11:29 صباحاً»، تقول إنها جزء من مشروع مستمرّ بلا نهاية. مشروع حول المكان الذي تعيش فيه في أوقات مختلفة من العزلة، النافذة نفسها في الغرفة نفسها في البيت نفسه في فترات متباعدة... لوحة ضمن جدول زمني أو يوميات مرئية بإدخالات عدة
بدورها، تكشف ليا حلو جزءاً من يومياتها في الحجر المنزلي، في لوحة بعنوان «18 أغسطس 11:29 صباحاً»، تقول إنها جزء من مشروع مستمرّ بلا نهاية. مشروع حول المكان الذي تعيش فيه في أوقات مختلفة من العزلة، النافذة نفسها في الغرفة نفسها في البيت نفسه في فترات متباعدة... لوحة ضمن جدول زمني أو يوميات مرئية بإدخالات عدة
اشتباكات الجسد بالذاكرة والمجتمع والمدينة أو اغترابه عن كل ذلك
وفي عمل أقرب إلى الحروفية يحمل عنوان «بين أنثى وذكر»، يقيم عبد الرحمن نعانسة تداخلاً بين الرسم والخط، مستخدماً تراكيب معاصرة في التخطيط بعيدة عن الكلاسيكية، تخدمه مزاجة الألوان الغنية التي يستخدم فيها الأحبار العضوية. يشي عنوان اللوحة بالعلاقة المركّبة بين الحرف والجسد، بصرياً وحسياً، ويأتي الخط والألوان النحاسية المعتّقة ليعطياها نفساً صوفياً.
تبدو الأعمال كأنّها تتحدث إلى بعضها، تتحاور وتخرج كل مرة بسؤال مختلف. هناك تداخل بين خيارات استخدام المواد والمواضيع، كما مزج بين عوالم اللوحة الداخلية وألوانها كأنها اختبارات لعوالم تحاول الخروج من مآزقها. لا نشعر أن هناك تباعداً، فهي تقترب لتصبح كما يوضح البيان التعريفي بالمعرض بوابات لوقائع وتجارب متميزة تختلف في الجوهر، لكنها مشتركة وضرورية للوجود البشري
تبدو الأعمال كأنّها تتحدث إلى بعضها، تتحاور وتخرج كل مرة بسؤال مختلف. هناك تداخل بين خيارات استخدام المواد والمواضيع، كما مزج بين عوالم اللوحة الداخلية وألوانها كأنها اختبارات لعوالم تحاول الخروج من مآزقها. لا نشعر أن هناك تباعداً، فهي تقترب لتصبح كما يوضح البيان التعريفي بالمعرض بوابات لوقائع وتجارب متميزة تختلف في الجوهر، لكنها مشتركة وضرورية للوجود البشري
يدفعنا المعرض إلى التفكير في أسئلة الفنانين والفنانات الشخصية والجماعية. هي تلتقط الانهماكات والهموم المتشظّية، وتضعها أمامنا كأننا نحاول أن نقرأها بصوت عال على مرأى الجميع. هنا الجسد والمجتمع والبيئة في حالات متوازية متقابلة يحاور بعضها بعضاً
دزوفيك أرنليان ـــ «أحدّق بك من أعلى» (أكريليك على كانفاس ــ 152 × 80 سنتم ـ 2019)
إيمان طفيلي ـ «نظام 2» (كولاج ـــ 27.5 × 34 سنتم ــ 2021)
2016 - بول مرعي ـــ «من دون عنوان 9» مواد مختلفة على كانفاس ـــ 100 × 90 سنتم
جوني سمعان ــ «من دون عنوان» (عجينة الورق وحديد ــ 65 × 55 × 20 سنتم ـــ 2019)